بطعم البصل

بطعم البصل

بقلم / كرم مبارك

ظللت ساعة كاملة وأنا أتربص خروج سلمى من مدرستها الثانوية ، ولا أدري ما الذي أخرها هكذا ؟!

هي في نفس مرحلتي الثاني عشر الأدبي مثلها مثلي وأنا أنهيت الامتحان في مدرستي منذ ساعة وأنتظرها مع مجموعة من أصدقائي المقربين لتخرج حتى أعترضها وأعرض عليها حبي وشوقي، فهذه فرصتي الأخيرة ، فالبنات في قريتنا الصغيرة لايخرجن من البيوت بمفردهن أو مع مجموعة بنات إلا إلى المدرسة ذهاباً وعودة ، أما بقية الأوقات فمع محارمهن مما يصعب على الشباب الطائشين أمثالي ملاحقتهن والفوز بقلوبهن!

اعترضتها وعرضت عليها حبي فوافقت سريعاً ودون مقدمات أو اعتراضات

لماذا إذا يقولون إن سلمى صعبة ؟!!

ها هي استسلمت لي بكل سهولة !

غريبة ؟!!

فعلاً غريبة ؟!!

لم أتوقعها من سلمى بالذات !

فقد كنت أسمع عنها غير ذلك

بل زادت دهشتي أنها هي من بدأت بترقيمي !!

وهاهي تصرخ علي غاضبة وهي تعطيني رقمها اثنين صفر اثنين ( 202) وتتوقف وأنا أصرخ فيها ؛ أكملي وهي تجيب 202

وتصرخ أكثر وبغلظة 202

يزداد الصوت خشونة وحدة !

السجين رقم 202، تحرك يا مائتين واثنين ، ! هيا قم يا حيوان يا اثنين صفر اثنين وإلا اشبعتك ضرباً ، تحرك سريعاً !

آه إنه رقمي ،وهذا صوت السجان يناديني برقمي ،يبدو إنني كنت أحلم بسلمى خطيبتي ، نهضت بتثاقل شديد وانتعلت نعلي ووقفت أمام باب الزنزانة

فأنا أعلم جيداً عقوبة من يتأخر في الاستجابة !

لم أكن أعلم كم الساعة ؟ ولكني كنت أشعر بثقل في رأسي وموقن إنني لم أحظ بنوم طويل.

فتح لي السجان باب السجن وألبسني القيود الثقيلة في رجليّ ثم دفعني بيده الغليظة بقوة أمامه كدت أن أقع من شدتها على وجهي لولا أن تماسكت في اللحظات الأخيرة

الأسير هنا في هذا المعتقل ليس له اسم أو لقب بل هو رقم وكأنه آلة صماء لا تميزها إلا الأرقام !

كان من حظي هذا الرقم المميز كما يتندر علي زملائي الأسرى الذين التقي بهم في باحة السجن الخارجية كل أسبوع لمدة ساعة فقط نتبادل فيه الحديث السريع ، والأخبار القليلة التي تصل إلى بعضهم عن الوطن ، أما أنا فلايصلني عن أهلي أي شيء !!

الأخبار أحياناً تكون صادقة وأحياناً كاذبة يشيعها السجانون من أجل كسر معنوياتنا وتعذيبنا نفسياً

ولكننا برغم ذلك ننتظر هذا التجمع الأسبوعي لنلتقط أية أخبار عن الوطن وعن أهلينا الذين انقطعت أخبارنا عنهم وأخبارهم عنا منذ أسرنا .

يتبع /

لا توجد أراء حول “بطعم البصل”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.