تخطى إلى المحتوى

في بيتنا عبق الرياحين !!

أحسب أن البيت الذي يمتلأ إناثاً هو بيتٌ يعجّ بالحيوية و النشاط ،
يكاد يهتز فرحاً منذ الصباح الباكر ،
يضجّ بالجمال أينما قلّبت ناظريك ،
و يموج مرحاً و لعباً ناعِمَين ،
إن جاورته عابراً أو مقيماً داعب أنفك في كل يومٍ أزكى الروائح و أشهاها .. ،
فلا يكاد أبو البنات يبيت ليلة ً إلا و قد تمتع بأصنافٍ من أدسم الأطعمة ،
و ألذ الحلوى ،
بل لا يتردد في اصطحاب من يُشاركه فيها من الأصحاب و الجيران وقت ما يشاء ،
و لذا ترى باب منزله مشرّعاً في الغالب ! ،
أما أم البنات فهي ترفلُ في الديباج و الحلل ،
نوّامة الضحى ،
مخضّبة البنان ،
مرتاحة البال ،
سعيدة الحال ،
لأنها فارقت ضرب العصيدة ،
و هرس الهريسة منذ سنين .. ! ،
و أوكلتها إلى بُنيّاتها اللاتي ما برحن يعالجن سُبُل الرضا و التفنن فيها .. ،
فمِن مُلبيةٍ للنداءات ،
مسرعةٍ في الطلبات ،
قد فازت بالدعوات ،
و مِن مؤنسةٍ في الحديث ،
معلمةٍ للمفيد ،
جالبةٍ للطُرفة و الفريد قد نالت المنزلة القُربى ،
و مِن صاحبةٍ للمفاجآت السارة ..
حمّالة للهدايا ..
و لو بفلقتي تفاحة .. ! ،
و من متقربةٍ بالقهوة ..
مُتملقةٍ بغَمز قدمي والديها قد نالت الجوائز و العطايا ..!

فسبحان من قال في كتابه الكريم :
" يهب لمن يشآء إناثاً و يهب لمن يشآء الذكور " [ الشورى : 49 ] .
لقد وقف بعض أهل العلم على أسرارٍ عجيبةٍ في هذه الآية _ فتح الله بها عليهم _
في تقديم الإناث على الذكور في مسألة الهبة ،
بل لنقف ابتداءً حول معنى " الهبة " بحد ذاتها .. !
فطيبي نفساً يا مسلمة ،
لقد كرّم المولى مقامك ،
و رفع لك مكانك ..

ريحانة الديار ..
لكِ أكتب ،
و إليكِ أصبو و أطمح ..
أن تنالي من المجد ذروته ،
و من المعالي غايتها .
في ربا الفضائل تنعمين ،
و من شمائل نبيك تنهلين ،
و بالعلم تصعدين فترتقين و تتقدمين ،
و على الأخص علوم الشريعة أوليها عنايتك فبها تظفرين .. ،
كتاب الله و سنة رسوله حاكِمك و مَحكمتُك و حدّك و فيصلك إذا تضاربت الأهواء ،
و تنازعت الشهوات ،
فعندهما تقفين و تسلمين .

شبيهة السحاب رِفعةً عن سفاسف الأمور و رِقةً و لطفاً ،
تُبشّرين بالخيرات ،
و تُغيثين اللهفان ،
و كالنخل باسقاتٍ طِيبةً و كرماً و أصالةً ..
جذورها ثابتة قوية ،
و فروعها سامية عالية .. ،
تُرمى فتبذل رطباً جنياً يانعاً ،
كقطرات الندى حياءً و عِفةً و طُهراً ،
و كالرياحين إن حركتها ريحٌ لم تبُث إلا أريجاً و عِطراً !
أنتِ منارةٌ للهدى ،
و منبرٌ للدعوة وقّّاد ،
و أهلك الأولى بالبرّ و النصح و الإرشاد ،
تُصيرين البيت جنّةً بإذن الله ،
فتُشعلين به دفء المودة و العطف و الحنان و الرحمة ،
تقربين وجهات النظر بين والديك ،
صديقة أمِ ،
و صاحبة أختٍ ،
و رفيقة أخٍ و مُستأمنٌ له ،
صندوق الأمانات ،
و مستودع الأسرار ،
و معينةٌ _ بعد المولى _ في الأزمات ،
و مجاهدةٌ في حل المشكلات بعون الله ..

أنتِ الفقيهة في صناعة الإنسان السويّ بفضل الله و منّه ،
فأنتِ المجتمع لأنكِ نصفه و من ينجب نصفه الآخر ،
مُربيةٌ الرجال ،
صانعةٌ للمآثر و القادة و الأبطال و الشهداء _ بمشيئة الله _ أباً أو أخاً ،
زوجاً أو ابناً ، و كما يقال : " وراء كل رجلٍ عظيمٍ امرأة " ،
أنتِ معلمةٌ للإخوان و الأولاد كيف يحافظون على الروابط الأسرية المتينة ،
و يشدون من صلات الرحم و القرابة كلما أوشكت الحبال أن تُرخى ..
أنتِ الواصلة إذا قطع الآخرون ،
المُبادرة إذا تأخر الباقون ،
المُعطية إذا منع المقربون .. ،
و لذا فأنتِ جوهرةٌ بين أهلك ..
عزيزٌ عليهم فقدك ،
و لا غرو أن يقول المتنبي :

فإن تفُق الأنام و أنت منهم … فإنّ المسكَ بعض دم الغزالِ .

فاسعي لتسلم الراية ..
فالدور ذو قيمة ..
و المَهمّة عظيمة ..
و قديماً قال حافظ إبراهيم :

الأمُّ مدرسةٌ إذا أعددتها … أعددتَ شعباً طيب الأعراق .
الأمُ روضٌ إن تعهّده الحيا … بالرّي أورق أيما إيراق .
الأم أستاذ الأساتذة الألي … شغلت مآثرهم مدى الآفاق .
في دورهن شؤونهن كثيرة … كشؤون رب السيف و المزراق
.

و بالله التوفيق ..

شوال / 1445 هـ

بقلم : إيمان الغامدي .

الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.