يوسف سالم: المدير ملك في مدرسته ولذا رفضت الترقية إلى وظيفة مشرف تربوي
نعلم أن الحياة يمكن أن تبدأ مرة ثانية.. وربما ثالثة… عندما نقرر لها ذلك دون النظر إلى أي معوقات أخرى يمكن أن تقف أمام الانطلاقة نحو أفق جديد.. كيف نجد أنفسنا في علاقتنا مع الحياة الجديدة دون اعتبار لشهادات الميلاد؟
فكثير من الأشخاص لا يحب أن يقال عنه إنه وصل نهاية الطريق، لأن ذلك يعني جمود التفاعل والتجربة مع الحياة، لكن هذا الأمر عند الشعراء عكس ذلك لأنهم عشاق الأفاق المفتوحة والإبداع والسعي نحو التغيير دائما، وبالواقع إذا كانت خبرة الحياة هي رصيد للوقار والأفكار ، فهي تلاحقنا جميعاً لذا علينا وإن غزا رؤوسنا الثلج الأبيض، أن نتعلم فن التعايش مع راحة البال، ونعطي كل ساعة فرحة خاصة، إذا التقينا بأحفادنا أصبحنا منهم، وإذا رأينا أصدقاءنا ضحكنا معهم على ذكريات قديمه.
ونموذج «حصاد العمر» الذي نعرضه اليوم هو دلالة على ربيع عمر متجدد، يدعو إلى الراحة بعد عناء طويل، وذلك من خلال لمعان ينعكس من عينين وروح عاشقتين للحياة.
اليوم نتعرف على حياة وحكمة نموذج جديد، اختار مهنة التدريس نظرا لاحترام مكانة المعلم الاجتماعية على مستوى المجتمع في ذلك الوقت ولإيمانه بأن المعلم يقدم رسالة يستفيد منها أبناء وطنه وهو المعلم يوسف سالم احمد وتاليا الحوار:
كيف بدأت حياتك العملية؟
أنهيت المراحل الدراسية الأولى من حياتي في الدولة ثم انتقلت للبحرين، بسبب عمل الوالد هناك، وفي نهاية الخمسينيات قرر الأهل العودة للدولة، لكني رفضت العودة معهم، حتى لا تتغير المناهج علي، حيث إن البحرين كانت تُدرس المنهج المصري، والدولة كانت تعتمد تدريس المنهج الكويتي، لذا بقيت سنتين هناك وتخرجت من معهد المعلمين وعدت للدولة، وتم تعييني معلما في مدرسة احمد بن سليم بدبي.
وما طبيعة العمل؟ وما الوظائف التي تدرجت فيها؟
كنت معلم رياضيات لثلاث سنوات، وانتقلت بين عدد من المدارس، ومن ثم ترقيت وأصبحت مشرفا إداريا، وبعدها مساعد مدير، وآخر 14 سنة من الخدمة شغلت منصب مدير مدرسة.
ما الفرق بين ممارسة التدريس والمهام الإدارية؟
الفرق كبير جداً بين المهام الإدارية والتدريس، لأن المعلم إنسان مؤد ويجب عليه توصيل رسالة، أما المدير فهو الشخص المخطط والمدبر الذي يسعى لتطوير الأداء وتقديم الأفضل للمدرسة والمعلم والطالب.
كما أن المعلم ملتزم في جدول حصص دراسة يومي ويتواصل مع الطلاب فقط، أما المدير فهو على اتصال مع المنطقة التعليمية، وعليه زيارة الصفوف وكتابة تقرير عن المعلمين ومراقبة الطابور الصباحي، بالإضافة إلى مقابلة أولياء الأمور الذين يطلبون مقابلة المدير مباشرة عند حدوث أي مشكلة سواء كانت صغيرة أو كبيرة، ولا يقتنعون بمراجعة الاختصاصي الاجتماعي أو مساعد المدير وغيرها من مسؤوليات.
هل كنت راضياً عن عملك كيف نظرت إليه؟
نعم كنت راضيا ولم أكن اطمح لان أترفع وأصبح موجها إداريا، لأن الموجه يضطر أن يزور كل مدارس المنطقة المسؤول عنها، كما أن راتبه أقل من المدير بالرغم من أن الدرجة الوظيفية أعلى، بالإضافة إلى إيماني بأن المدير ملك في مدرسته.
هل حققت الأهداف المرجوة من عملك؟
نوعاً ما نعم، لكن كنت أطمح أن أتحول من مدير تنفيذي إلى آخر ذي صلاحيات كاملة، وأقصد من ذلك حق اختيار الكادر التعليمي والإداري، ومواصفات المبنى والغرف الدراسية التي كنت أطمح منذ أكثر من عشر سنوات لتغيير مواصفاتها.
بالإضافة إلى تغيير طرائق التدريس، التي كنت أتمنى أن تنفذ على أساس المجموعات والمسابقات، وكان كل هذا يحتاج إلى ميزانية أكبر من المخصصة لإدارة المدرسة، لكني حاولت تخطي هذه المشكلة بالاعتماد على علاقاتي الشخصية في توفير متطلبات المدرسة اللازمة لتطويرها.
صف أول وآخر يوم عمل لك؟
أول يوم عمل بالمدرسة يكون المدير ملازما للمدرس الجديد، ويذهب معه كل الحصص الدراسية لتقييم أدائه وقدرته على ضبط الفصل الدراسي، فوجود المدير وحده أشعرني بالرهبة، كما أن أول 15 يوماً من العمل كانت مرهقة جداً، لأني لم أكن معتاداً على الوقوف لساعات طويلة.
بعد سنوات عمل طويلة ما الحكمة التي خرجت بها؟
إذا أردت أن تكون سعيداً، أحبب عملك وعلى الرغم من أني كنت مديرا تنفيذيا إلا أنني كنت مستمتعا جداً بأداء عملي.
هل لك أن تلخص لنا خبرة 25 سنة في جملة واحدة؟
بناء الإنسان أهم من بناء العمران، وخبرتي في العمل منحتني كنزا كبيرا وجعلت مني ثريا ومن أغنى الأغنياء، وثروتي الحقيقية تتمثل في الأجيال الصالحة التي تخرجت أثناء عملي لتنطلق إلى الحياة.
ما الفائدة الثقافية أو الاجتماعية التي خرجت بها؟
حصلت على فوائد ثقافية جمة لأني كنت أعمل في مجال التعليم، لأنه ميدان خصب مليئ بالمعلومات، كما أن الدورات التدريبية التي التحقت بها ساهمت برفع مستوى العلم والثقافة.
أما اجتماعياً فالربح الأكبر بالنسبة لي هو حب واحترام الناس لشخصي ولمهنتي، خاصة الجيل القديم الذي يقدر مهنة التعليم، والفرق كبير بين نظرة الأجيال الماضية وأجيال المستقبل لمهنة التعليم، فهي اليوم مهنة من لا مهنة له.
ماذا تنصح الموظفين الجدد؟
بيئة التعليم بهذه الأيام بيئة طاردة للمعلم، لأنه محطم معنوياً ومادياً، فهو يعلم الطبيب والمهندس والضابط وغيرهم وكلهم يتقاضون رواتب شهرية أكثر منه مع أنه يقدم جهداً كبيراً داخل الفصول لتعليم الأجيال من الطلاب على اختلاف مستويات الفهم والاستيعاب لديهم، لذا فإن نصيحتي للقائمين على الشأن التعليمي بإعادة النظر للوضع المادي للمدرسين.
ما أصعب المواقف التي تعرضت لها بالعمل، وكيف تعاملت معها؟
في إحدى الرحلات المدرسية ذهبت صباحاً للمدرسة ووجدت أن أحد الطلاب كتب سبابا لي على جدران المدرسة، فسألت عن الفاعل وإذ بجميع الطلاب يشيرون عليه، فسألته عن السبب وقال، أنت الوحيد الذي تستطيع أن تفصلني فأنا لا أريد المدرسة وأبي مصر على أن أكمل دراستي.
ولم افعل شيئاً وطلبت منه أن يحضر ولده مع بداية الأسبوع، وقلت للأب لم أتخذ أي إجراء ولن أفصله لأنه مثل أولادي وبسنهم، سأقدم له النصيحة أمامك وأتركه يفكر يومين، وإذا بقي مصرا على ترك الدراسة تأتي أنت شخصياً وتفصله، لأني لن أتحمل مسؤولية خطأ غيري بالمستقبل، ولن أدمر مستقبل شاب بسبب أنه سبني.
وأطرف المواقف؟
أذكر أن طالبا تكرر غيابه أكثر من مرة وفي كل مرة أطلب منه أن يحضر ولي أمره ولم يفعل، فقررت في إحدى المرات أن أذهب لأب الطالب في حال لم يأت هو، وفعلاً حضر الطالب دون أبيه وطلبت منه أن يقف على جنب وينتظر نهاية الطابور الصباحي.
ثم اصطحبت الطالب بسيارتي وطلبت منه أن يرشدني إلى بيته وبالفعل ذهبنا وطلب مني أن انتظر، وبعد دقائق جاء مع رجل هندي على أساس أنه خاله، وقال «أبي مسافر وأمي بالمستشفى وهذا خالي»، وقتها لم أقل شيئا للخال وطلبت منه أن يخبر الأم أو الأب بضرورة زيارة المدرسة.
وبعدها غاب الولد ثلاثة أيام متواصلة ولم أقبل عودته المدرسة إلا في وجود ولي أمره، عندها اضطر الطالب إلى أن يأتي بولي أمره وقلت له إنني طلبت مقابلته أكثر من مرة ولم يأت لذا ذهبت للمنزل ولم أجده، فتفاجأ الأب وقال لي إنه كان في المنزل وأن أم الولد مواطنة، فحينها اكتشفنا جميعا أن الطالب يضحك علينا.
ما أصعب قرار اتخذته في حياتك العملية؟
أصعب قرار اتخذته كتبت عنه كل الصحف بالدولة تحت عنوان «زهير بخيت يوقف فصلا دراسيا عن الدراسة»، حيث أذكر أنه بعد انصراف الطابور الصباحي بـ 15 دقيقة فوجئت بصراخ طلاب الصف الثالث ثانوي يصل إلى مسامعي وأنا في مكتبي، فتوجهت للفصل لأرى ماذا حدث..
وكانت المفاجأة الأكبر وجود عشرة أجهزة تلفاز صغيرة مع الطلاب يشاهدون عليها مباراة منتخبي الإمارات وكوريا الجنوبية وعندما سجل زهير بخيت الهدف الأول بعد عشر دقائق على بدء المباراة، وعندها فصلت كل الطلاب لمدة أسبوع، ولم أقبل بعودتهم إلا بعد تعهد أولياء الأمور بعدم عودة أبنائهم لهذا السلوك مرة أخرى، كما نقلت المعلم الذي لم يلاحظ وجود أجهزة التلفاز منذ بداية الحصة إلى مكان آخر.
هل تختار الوظيفة نفسها الان، وماذا تتمنى أن يتغير؟
لا، لأن النظرة لمهنة التعليم فقدت الاحترام الاجتماعي الذي كانت تحظى به سابقاً.
كيف ينظر أبناؤك إلى طبيعة عملك؟
هم يفتخرون بي ويحترمون عملي من أيام وجودهم على مقاعد الدراسة، لأن اسمي ساعدهم كثيراً وهم في مدارسهم.
ما خططك المستقبلية للعمل؟ وما هي أولوياتك؟
بعد التقاعد أسست عملي الخاص وأنشأت وكالة توزيع كتب ومنشورات، حيث أني أعمل على تزويد المدارس الخاصة بالكتب، وأوفر الكتب السياحية والمترجمة في الفنادق وبعض المكتبات، وأنا من وزعت كتاب رؤيتي لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد. وأولوياتي كانت أن أوفر حياة كريمة لأولادي الأربعة وأبني بيوتا لهم، والآن أنهى ثلاثة دراستهم الجامعية، والأخير ما زال على مقاعد الدراسة، وجميعهم عملوا في أماكن ومناصب محترمة.
هل تعتقد أنك تلقى التقدير الذي تستحقه من المجتمع وأصدقائك؟
نعم، أكيد ألقاه من أصدقائي والمجتمع وطلابي، لأنهم جميعاً من الجيل القديم الذي يدرك جيداً ما معنى كلمة معلم.
سمانا النصيرات