تخطى إلى المحتوى

قصة حسناء وحسن {الجزء الأول والثاني والثالث}

لم تكن فرحة حسن اعتيادية
فها هو أخيراً قرت عيناه وبردت نار فؤاده وأصبحت حسناء زوجته على سنة الله ورسوله ..

لقد كانت حسناء قمة في الجمال والأخلاق والدلال والأنوثة ، وكم من الشباب تقدموا لها ورجعوا خائبين ، ولكن عمه لم يكن ليرده فقد كان ذو حظوة ومكانة عنده …

لقد انتهت ليلة الدخلة على خير وهاهما في الطائرة الآن مغادرين إلى مكة لقضاء شهر العسل هناك في أشرف بقاع الأرض ، إنها " حجة وحاجة " كما يسمونها ،أداءٌ للعمرة وقضاء لشهر جميل في مكة والطائف حيث الطاعة والراحة ..

لم تكن سعادة حسناء بأقل من فرحة حسن ، فقد كانت تتمنى في قرارة نفسها أن يكون حسن هو زوج المستقبل فهو ابن عمها و صاحب دين وخلق ومستوى علمي وأكاديمي ووظيفي عالي ، وباختصار فهو محط أنظار أية فتاة وتجتمع فيه جميع الخصال والصفات التي تتمناها العروس في عريسها ..

– أتعلمين يا حسناء أشعر وأنا معك أن الدنيا كلها ملكي ، أشعر وكأنني أريد أن أصرخ في كل هؤلاء الذين في الطائرة وأقول بأعلى صوتي " أحبهاااااااا والله أحبهااااااا
"
ردت حسناء بابتسامة خجولة جميلة وهي تضغط بإصبعها على فمه :
– أخفض صوتك يا حسن أخاف يسمعونك ..
– فليسمعوني ، وليعلموا جميعاً إنني أموت حباً في حسنااااااء

ضحك الاثنان بسعادة غامرة ومسكت حسناء يد حسن بلطف ومحبة
ولكن فجأة توقف حسن عن الضحك ونظر إلى حسناء نظرة جادة وكأنه يعاتبها ، فنظرت حسناء إلى الأرض وكأنها تعلم ما في قلب حسن وقالت بصوت منخفض :

– حبيبي أدري والله إنك تريدني أن أغطي وجهي ، وفي نظرك هذا الذي ينقصني وهو ما يؤلمك ،وخاصة إمام أصدقائك ،وأنت تعلم كم حاولت في فترة " العقد " أن ألبس ولكنني لم أستطع ، لذا أدعو الله لي وأنت في السفر ثم في الحرم أن يهديني الله إلى هذا ، فأنت لا تعلم كم هذا الأمر شاق علي ، فلم أتربى على ذلك وجميع أخواتي وصديقاتي وبنات أقربائي لا يغطين وهكذا تعودنا وأنا بصراحة أخجل من ذلك وأستحي ، فاصبر علي يا حبيبي ولا تستعجل لعل الله أن ينير قلبي لذلك

ابتسم حسن ابتسامة مصطنعة فهو لا يريد أن يعكر مزاجه ومزاج زوجته في ثاني يوم زواج مثلما تعكر في أسابيع مضت أيام فترة العقد !

ولكن الذي كان يجرح حسن ويؤلم قلبه أكثر نظرات الرجال إلى زوجته سواء في المطار أوفي الطائرة ، فهي كانت فائقة الجمال بحيث إنها تلفت نظر النساء حتى وحسدهن وغيرتهن ..!

في مطار جدة كان سائق الفندق سمير في انتظار العروسين عند مدخل المطار ، وكان لطيفاً دمث الأخلاق.

لاحظ حسن أنه لم ينظر إلى زوجته طوال الرحلة ، فأعجب بأخلاقه وأمانته هذه ، وخاصة لما اكتشف أنه مثقف ويعرف البلد جيداً وصاحب حديث لا يمل طوال الرحلة .

وعلم منه أنه لا يعمل في الفندق ولكن الفندق يطلبهم عند الحاجة للعملاء والزبائن ، لذا اتفق معه على أن يكون هو سائقه طوال فترة تواجده في مكة والمدينة والطائف ، فوافق سمير مبدياً سعادته على هذه الثقة الغالية ..

كانت الأيام تمضي سريعة وخاصة أن حسن عرف كيف يمزج بين العبادة والسياحة وخاصة في جبال الهدى والشفا في الطائف حيث الجو الجميل والخضرة والهواء العليل وبين هنا وهناك كان سمير يرافق الزوجين وكان خير المرشد و المرافق المخلص الأمين ..

كان الزوجين سعيدين جداً وكانت أيامهما في مكة والمدينة وفي الطائف من الأيام التي لا تتكرر وما أحلاها من أيام تكون في طاعة رب العالمين

وما أجملها من أسرة تبدأ بداية مسيرتها بعمرة ثم بطواف يومي وقراءة للقرآن والجلوس في حلق العلماء والذكر ، والصلاة في الحرم المكي ثم المدني خلف كبار أئمة الحرم وسماع أصواتهم الجميلة .

لقد كان أغلب الأسرة تريدهما أن يذهبا إلى بلاد جنوب شرق آسيا أو أوروبا خاصة أن حسن من المقتدرين ولكنهما معاً فضلا خير بقاع الأرض ليبدءا مسيرة الأسرة السعيدة

كان ما يشغل حسن كثيراً هو قضية ألا يعود من مكة إلا وزوجته قد اقتنعت تماماً بقضية تغطية الوجه لذا لم يألو جهداً في إقناعها والجلوس معها الساعات والساعات يتناقشان ولكن حسناء كانت عنيدة ولديها ثقافة بما فيه الكفاية لكي تسكت حسن وتوقف طلباته

فلم يجد حسن بداً من أن يجمع زوجته مع أحد العلماء في الحرم لكي تضع جميع التساؤلات والإشكاليات التي في رأسها أمامه فلبى الشيخ ذلك بصدر رحب ، وكان شيخاً كبيراً في السن ودوداً مما شجع حسناء على أن تأخذ راحتها في الحديث .

لذا بدأت مع الشيخ بقولها :

– فضيلة الشيخ ، عن نفسي قرأت جميع أدلة تغطية الوجه من القرآن والسنة وكذلك قرأت أدلة المبيحين لكشف الوجه فوجدت إن الأمر فيه سعة وخاصة إنني مالكية المذهب والمالكية لا يرون التغطية ولكن زوجي يريدني أن أغطي وجهي وأنا أجد
حرجاً في ذلك لأن أمي وأخواتي وصديقاتي كلهن لا يغطين ، فلا أريد أن أكون مختلفة عنهن .

فأجاب الشيخ :
بارك الله فيك يا ابنتي وزادك حرصاً ، ويسر أمرك لما فيه الخير والسداد وشرح صدرك للحق والنور وجعلك من المؤمنات الصالحات
وسأبدأ معك بعيداً عن الأدلة التي قلت إنك تعرفينها إلى أخرى هي ربما تُشكل على الكثيرات ..

فبلا شك يا ابنتي أن الله تعالى أمر المؤمنات بحفظ فروجهن في قوله تعالى " وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ " ، والأمر بحفظ الفرج أمرٌ بما يكون وسيلة إليه ، ولا يرتاب عاقل أن من وسائله تغطية الوجه لأن كشفه سبب للنظر إليها وتأمل محاسنها والتلذذ بذلك ، وبالتالي إلى الوصول والاتصال
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " العينان تزنيان وزناهما النظر … ـ ثم قال ـ والفرج يصدق ذلك أو يكذبه "

فإذا كان تغطية الوجه من وسائل حفظ الفرج كان مأموراً به لأن الوسائل لها أحكام المقاصد ..

ثم أن الله نهى عن إبداء الزينة مطلقاً إلا ما ظهر منها وهي التي لابد أن تظهر كظاهر الثياب
ولذلك قال " إلا ما ظهر منها " لم يقل إلا ما أظهرن منها ـ وقد فسر بعض السلف : كابن مسعود، والحسن ، وابن سيرين ، وغيرهم قوله تعالى ( إلا ماظهر منها ) بالرداء والثياب ، وما يبدو من أسافل الثياب (أي أطراف الأعضاء )
ثم نهى مرة أُخرى عن إبداء الزينة إلا لمن استثناهم فدل هذا على أنَّ الزينة الثانية غير الزينة الأُولى ، فالزينة الأُولى هي الزينة الظاهرة التي تظهر لكل أحد ولا يُمكن إخفاؤها والزينة الثانية هي الزينة الباطنة ( ومنه الوجه )
ولو كانت هذه الزينة جائزة لكل أحد لم يكن للتعميم في الأُولى والاستثناء في الثانية فائدة معلومة .

ثم أن الله تعالى رخص بإبداء الزينة الباطنة للتابعين غير أُولي الإربة من الرجال وهم الخدم الذين لا شهوة لهم وللطفل الصغير الذي لم يبلغ الشهوة ولم يطلع على عورات النساء فدل هذا على أمرين :

1- أن إبداء الزينة الباطنة لا يحل لأحدٍ من الأجانب إلا لهذين الصنفين .
2- أن علة الحكم ومداره على خوف الفتنة بالمرأة والتعلق بها ، ولاريب أن الوجه مجمع الحسن وموضع الفتنة فيكون ستره واجباً لئلا يفتتن به أُولو الإربة من الرجال .

ثم لا حظي يا ابنتي في قوله تعالى : ( ولا يضربن بأرجلهن ليُعلم ما يُخفين من زينتهن )

يعني لا تضرب المرأة برجلها ليُعلم ما تخفيه من الخلاخيل ونحوها مما تتحلى به للرِجْـل ، فإذا كانت المرأة منهية عن الضرب بالأرجل خوفاً من افتتان الرجل بما يسمع من صوت خلخالها ونحوه فكيف بكشف الوجه ؟!

فأيهما أعظم فتنة أن يسمع الرجل خلخالاً بقدم امرأة لا يدري ما هي وما جمالها ؟ ولا يدري أشابة هي أم عجوز ؟ ولا يدري أشوهاء هي أم حسناء ؟ أو ينظر إلى وجه جميل ممتلىء شباباً ونضارة وحسناً وجمالاً وتجميلاً بما يجلب الفتنة ويدعو إلى النظر إليها ؟
فأيهما في نظرك أعظم وأحق بالستر والإخفاء يا ابنتي ؟

حسناء : فضيلة الشيخ طبعاً الوجه أعظم فتنة من ضرب الرجل ولكن كيف أحكم على نفسي بأني فتنة للرجال ، عن نفسي أناأرى نفسي إنسانة عادية لا تحمل تلك الصفات التي تجعل الرجال يفتنون بها ؟!!

الشيخ : يا ابنتي لو لم تكن فيك تلك الفتنة لما تزوجك هذا الرجل ، وأشار إلى زوجها حسن الذي كان مطرقاً يستمع بصمت إلى الحوار

حسناء : وكيف نعرف الفتنة يا فضيلة الشيخ ، أي بمعنى كيف تعرف المرأة أنها تفتن أو لا ؟؟
هل هناك ضابط في الشرع لمعرفة ذلك ؟؟

الشيخ : ليس هناك ضابط لمعرفة الفتنة يا ابنتي

حسناء : إذاً فالأمر اجتهادي ، من ترى في نفسها إنها تفتن تغطي ومن ترى إنها لا تفتن لا تغطي ، وأنا عن نفسي سآخذ من مبدأ إنني لا أفتن !!

الشيخ : بل أن عدم وجود ضابط للفتنة يجعل أمر تغطية الوجه واجباً شرعياً

حسناء : كيف يا فضيلة الشيخ لم أفهم ؟؟!

الشيخ : أقول لك ، كما تقولين أن مذهب مالكي والمالكية لا يرون تغطية الوجه والكفين وكذلك الأحناف ولكنهم يقولون لو كانت المرأة تفتن فلتغطي

فقيل لهم ما الضابط الذي يحدد الفتنة أي هل يوجد شيء أو مقياس تعرف به المرأة أو المفتي أن هذه تفتن أو لا ؟
فمن عمرها عشرون سنة يفتن بها من يكبرها ومن عمرها أربعون يفتن بها من يكبرها ومن عمرها خمسون يفتن بها من عمره سبعون وهكذا فلا ضابط يضبط ذلك ..

وإن كان كذلك أي لا يوجد ضابط يقيس الأمر وأنه لابد أن هناك في الخلق من يعجب بهذه المرأة فبالتالي عليها أن تغطي الوجه والكفين وجوباً ..وباتفاق المذاهب الأربعة ..

أليس كذلك يا ابنتي ؟

حسناء : نعم ولكن ..

الشيخ : ولكن ماذا يا ابنتي ؟ ، ولكن هذه هي هوى النفوس التي تجعل النساء يبتعدن عن الحق وعن شرع الله ..
كوني قوية واتخذي القرار الصحيح ولا يغرنك الشيطان فإنه لك عدو ….

هنا سكتت حسناء وأخذت تنظر إلى الأرض

هل اقتنعت حسناء أم مازال في نفسها شيء ؟

رجع حسن وحسناء إلى الفندق ورغم إن المسافة كانت قصيرة من الحرم إلى الفندق الراقي الذي يسكنان فيه إلا أن الصمت المطبق الذي أخرس لسانيهما وهما يمشيان إلى غرفتهما أعطى الطريق هيبة وطولاً موحشاً ..

كان حسن ينتظر بفارغ الصبر أن تتكلم حسناء ، فهو يعلم جيداً مدى عنادها ، وشدة بأسها في التمسك برأيها .

أما حسناء فكانت تعلم مدى حرص حسن على هذه المسألة لذا فكان صمتها احتراماً لشعوره فهي تخبىء له ما لا يحبه !
.
و مازالت كلمة الشيخ الأخيرة " كوني قوية واتخذي القرار الصحيح ولا يغرنك الشيطان فإنه لك عدو …." تصدح في أذنيها .

للشيخ هيبة يا حسن ..!

هذا ما قالته فقط بعد طول صمت ..ثم أخذت تبكي بكاءً مراً أدمعت عينا حسن ، فوضع رأسها على كتفه وأخذ يربت على ظهرها بلطف ثم قال بهدوء :

مهما كان قرارك يا حسناء فأنا أحترمه لأنك اشترط علي قبل الزواج أن تكوني هكذا وما علي إلا احترام ذلك أنا كنت فقط أتأمل وأترجى ولا يسعني إجبارك على أمر غير مقتنعة به .

هنا ازداد بكاء حسناء وتركت حسن ودخلت إلى غرفتها مسرعة

كان أكثر ما يؤلم حسناء إنها كانت لا تستطيع أن تعطي زوجها وحبيبها حسن هدية بسيطة يتمناها ، وكانت طيبة حسن وشعوره الجميل نحوها وتعامله الراقي معها يعذبها ويؤلم قلبها ..

كانت تتمنى لو كانت تستطيع أن تغطي وجهها ، فهي برغم اقتناعها بكلام الشيخ وحججه القوية ، وإحساسها بعد اللقاء بأن كشف الوجه فيه إثم إلا أن صورة أهلها وصديقاتها وهن يسخرن من المنقبات ، ويلقبنهن بأبشع الصفات مازالت ماثلة أمامها ، وهي تعلم علم اليقين أنها ستكون "علكة" في أفواههن لفترة طويلة وستكون فاكهة مجالسهن وجلساتهن الساخرة .

كم تمنت لو تغلبت على هذا الخوف وهذا الخجل وافتخرت بالنقاب كما تفعل الأخريات وصرخت في وجوه الجميع : عزتي في حجابي في نقابي ، في ستري عن الرجال ولتقولوا ما تقولوا ، ولكن هيهات فهي لا تمتلك تلك الجرأة والشجاعة ..!

في صباح اليوم التالي …
وفي طريق رجوعهما من الحرم بعد صلاة الفجر والمكوث في الحرم حتى تطلع الشمس

حسن : أتعلمين يا حسناء كم أتمنى أن يطول بنا المقام هنا ، فكلها أجور في أجور وتكفي هذه الجلسة بعد الفجر بان تكون لنا حجة وعمرة ، كما أخبرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : " من صلى الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة ."

حسناء : نعم يا حسن فهنا يحرص الجميع على النوم المبكر لكي يدركوا صلاة الفجر في حين في البلاد ومع دخول الصيف والناس أغلبهم في إجازة يسهرون حتى قبيل الصباح ثم ينامون غافلين عن صلاة الفجر ، فكم يضيعون من الأجور العظيمة ؟!!

حسن : نعم صدقت والله صلاة الفجر تشكو من قلة المصلين في وقتها مع أنها صلاة مباركة مشهودة أقسم الله بوقتها فقال : (والفجر وليال عشر)

وقال تعالى : (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً )

كم من أجور يضيعها من نام عن صلاة الفجر وكم من حسنات يهدرها من يسهى عنها أو يؤخرها و كم من كنوز يفقدها يوم يتكاسل عن الذهاب إلى المسجد ؟!!

صلاة الفجر يا حبيبتي تعدل قيام ليلة كاملة .. انظري لهذه المعادلة

يقظة من قيام + إجابة للأذان + صلاة مع أهل الإيمان = ثواب قيام ليلة.

قال صلى الله عليه وسلم ( من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله).

حسناء : سبحان الله كل شيء هنا رائع ، وهناك حديث لا أذكره أن الله يحفظ من صلى الفجر أليس كذلك ؟؟

حسن : نعم ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه ( من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله ) رواه مسلم

نعم إنها ذمة الله ليست ذمة ملك من ملوك الدنيا إنها ذمة ملك الملوك ورب الأرباب وخالق الأرض والسماوات ومن فيها ذمة الله التي تحيط بالمؤمن بالحماية له في نفسه وولده ودينه وسائر أمره فيحس بالطمأنينة في كنف الله وعهده وأمانه في الدنيا والآخرة ويشعر أن عين الله ترعاه

اللهم احفظنا بحفظك ورعايتك وكن لنا معينا ومؤيدا وناصراً وكافياً

حسناء : آمين يا رب العالمين

حسن : آه كدت أن أنسى يا حسناء ، أتذكرين أبو سالم الذي تعرفت عليه في الحرم ويجالسني يومياً بين صلاتي المغرب والعشاء ..

حسناء : نعم ، ما به ؟

حسن : لقد ألح علي كثيراً ، بأن نلبي دعوته للغداء اليوم في منزله فوافقت أخيراً أمام إلحاحه الشديد ..

حسناء : لا بأس ولكني لا أعرف زوجته ولم أتلقي بها ؟

حسن : هي فرصة لتتعرفي بها ، فمن المؤكد أنها طيبة مثله ، فهو رجل ودود ولطيف ..

حسناء : بل أنت الطيب يا حسن تحكم على الناس بمجرد جلسة أو جلستين دون أن تعرفهم جيداً ؟

حسن : أنا أحسن الظن في الناس يا حبيبتي ، ولن نخسر شيئاً إن شاء الله بتلبيتنا لدعوته ، وسيكون سمير معنا وسيأخذنا إليهم …

ما الأحداث المثيرة التي حصلت للزوجين عند أبي سالم هذا ؟!!
أحداث مثيرة جداً جداً تستحق متابعتك

استعدت حسناء جيداً للذهاب إلى منزل أبي سالم ، فقد كان يهمها أن تكون في هيئة متميزة أمام أم سالم ومن معها من النسوة
فأم سالم بالتأكيد ستدعو بعض نساء الجيران وبناتهم ، ولا بد أن تكون هي في مستوى الحدث ..

وصل سمير وانطلقوا جميعاً إلى حيث الهدف ، وبعد اتصالات عديدة بين سمير وأبو سالم وصل سمير إلى المنزل المحدد .
وكان في استقبال الجميع أبو سالم وشابين آخرين وقاموا بتحية حسن وسمير أشد تحية ، ثم خفض أبو سالم عيناه إلى الأرض وطلب من حسن أن تذهب حسناء إلى حيث المرأة الواقفة هناك وأشار بيده إليها ..

فدعاها حسن ونزلت حسناء من السيارة وتحركت إلى حيث المرأة المتشحة بالسواد والواقفة بعيداً عند زاوية البيت ودخلت معها إلى غرفة النساء ، ودخل الجميع إلى غرفة جلوس الرجال …!

– يا أهلاً وسهلاً بأخينا حسن ، شرفتنا يا أخي تفضلوا بالدخول وسأرجع لكم بعد قليل .. قالها أبو سالم لضيوفه ثم انطلق إلى داخل المنزل …

بمجرد أن دخل حسن إلى غرفة الجلوس اشتم رائحة يكرهها ، إنها رائحة دخان ؟!!
– رائحة دخان في منزل أبو سالم ؟!!
قالها حسن باندهاش وهو ينظر إلى سمير

– يمكن بعض أولاده يدخنون ؟
– لا يا سمير ، سالم صغير وعمره تسع سنوات فقط هكذا أخبرني أبو سالم !!

– يمكن كان عنده ضيوف ؟
– يمكن ، كل شيء جائز ؟!! قالها حسن باندهاش !!

فحسن يظن في أبي سالم الظن الحسن ولم يلبي دعوته إلا لأنه عرفه كرجل تقي يخاف الله
فكيف يستقيم أن تكون هذه الرائحة الكريهة في منزله ، ومن الواضح أن هذه الرائحة ليست وليدة لحظة أو ساعة بل هي رائحة متمكنة من المكان بل هي رائحة سيجارة وشيشة …!!

– كيف يستقيم يا سمير أن تكون هذه الرائحة في بيت رجل مثل أبو سالم ؟!
ألا يعلم أبو سالم حكم السيجارة والتدخين وأنها حرام وإنها من الخبائث التي أجمع العلماء على تحريمها في سائر العصور ؟!!

سكت سمير ولم يجب …

– سمير لقد تأخر علينا أبو سالم وبصراحة بدأت أتوجس خيفة بعد شمي لهذه الرائحة القبيحة !!!
رجاءً يا سمير حاول أن تنادي على أبي سالم … قالها حسن وقد بدأ يقلق بعد أن دخلت الريبة في قلبه …

تقدم سمير عند الباب وأخذ ينادي بصوت عال : يا أهل البيت ، يا أهل البيت !
فلم يجب أحد ، بل خيم على المكان سكون قاتل !!!

أخذ حسن وسمير ينظران إلى بعضيهما البعض وقد بدا القلق واضحاً عليها ، ولكنهما في نفس الوقت لا يملكان الجرأة بأن يخرجا خارج الغرفة خشية أن تكون هناك نساء من أهل البيت فيكون في ذلك إحراجاً لهما …!!

ولكن مع المناداة ورفع الصوت وعدم الجواب أشتد القلق بحسن وسمير تشجعا أخيراً وخرجا لينظرا في هذا الأمر المريب !!

خرج حسن وسمير من الغرفة وتقدما مباشرة إلى باب المنزل الرئيسي دون أن ينظرا خلفيهما ، ومن هناك طرقا على الباب مرة أخرى ولكن لا مجيب ؟!!!
أخذا يطرقان بشكل أقوى فسمعا صوتاً من خلفيهما ، فالتفتا فإذا بشاب كان ماراً في الطريق وتوقف مندهشاً من فعليهما قائلاً :

– يا أخوة مهما تطرقان الباب لن يفتح لكما أحد ؟!
– لماذا يا يا أخي ؟

– لأن هذا المدخل الرئيسي لعدة شقق مفروشة وليس لمنزل واحد !
– شقق مفروشة ؟!! أليس هذا منزل أبو سالم ؟؟

– أي سالم وأبو سالم ، هذه شقق مفروشة لا يأتيها إلا العزاب من الشباب الذين يأتون ليلاً ليلعبوا " البتة " ويدخنوا الشيشة وهي شبه مهجورة نهاراً!!

هنا كاد رأس حسن أن ينفجر وجحظت عيناه وارتجف قلبه ولكنه تمالك نفسه وركض سريعاً إلى حيث الغرفة التي دخلت فيها حسناء ولكن للأسف يبدو أن حسن قد وصل متأخراً جداً …

وجد حسن في الغرفة عباءة امرأة وغطاء رأس وغطاء وجه ، لم تكن لحسناء بل للمرأة الأخرى ..؟!!!

لقد اختفى الجميع ….
اختفت حسناء وأبو سالم والمرأة والشابين

أين اختفت حسناء وما مصيرها ؟ !
وأين اختفى الجميع ؟!
اسودت الدنيا في عيني حسن …
وأخذ يجري هنا وهناك بين الأزقة الضيقة هائماً على وجهه ، لا يدري كيف يتصرف ..

لقد شعر في ساعتها أنه مخنوق ولا يستطيع التنفس ، مرت صورة حسناء أمامه وكأنها تستغيث به وتقول له : أنقذني يا حسن لقد خطفوني أنقذني ولا تضيع الأمانة يا حسن !!!

لا تضيع الأمانة يا حسن ، لا تضيع الأمانة يا حسن لا تضيع الأمانة يا حسن ..أنقذني يا حسن !!

فأخذ حسن يجري ناحيتها وهو يصرخ لا لا لا لا لا ، تعالي يا حسناء ، حسنااااااااااء لا تذهبين ، حسناااااااء

اختفت صورة حسناء فجأة فجثا حسن على ركبتيه وأخذ يبكي بكاءً مراً ،ويصرخ بصوت عال في سمير وهو يقول أنا السبب يا سمير ، أنا السبب !!

كيف أثق في أشخاص لا أعرف حتى أسماءهم ؟!!
والله أنا السبب !!

لقد قدمتها لقمة سائغة لعصابة لصوص
لقد خُطفت حسناء يا سمير لقد خُطفت وقدمتها لهم بيدي ، آه كم أنا غبي
لقد خُدْعنا …!

وأخذت حسن موجة أخرى من البكاء المرير الذي يقطع نياط القلب …

– تعال آخذك إلى أقرب مخفر للشرطة فلعلهم يجدون أي خيط يساعدنا في تتبع العصابة .. قالها سمير وهو يحاول إيقاف حسن على رجليه

– وماذا سيبقى من حسناء بعد ذلك ؟؟! ، إنّ من يخطف أية امرأة لا يريد منها إلا شيئاً واحداً فإن حصل منها ما يريد ألقاها في الشارع مقتولة وتقيد القضايا غالباً ضد مجهول .. قالها حسن وهو يبكي …

– وهناك من يطلب الفدية بدلاً أن يقتلها فلا تيأس هيا بنا نذهب إلى الشرطة

لم يمر وقت طويل قبل أن يتجمع الكثير من الأهالي حول حسن يواسونه على ما حصل له بعد أن عرفوا قصته ، وتطوع بعضهم في الاتصال بالشرطة التي وصلت بسرعة إلى مكان الحدث ….

عاينت الشرطة المكان بدقة ورفعوا بعض الأشياء والبصمات ومنها بعض الثياب المتروكة
وأخذوا إفادة سمير أما حسن فقد كان منهاراً ولا يكاد يستطيع الكلام

وتبين للشرطة إن للمكان باباً خلفياً يطل على سكة ضيقة مهجورة تكاد سيارة واحدة فقط تمشي فيه

ثم وجدوا في الموقف الترابي آثار إطارات

الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.