تخطى إلى المحتوى

دموع الحكومة ( مشاركة في مسابقة القصة " فئة الكبار")

ملخــــــــص قصتي :

يدور حول شخصية تمثل سيطرة المادة على المجتمع وصراعها مع الأخلاق في معركة أزلية والعبرة بالنهاية ،،، وإليكم قصتي …

كانت فارعة الطول .. جميلة الملامح …لكن وجهها الجميل قد تزاحمت به الأصباغ العالمية,التي تصرخ مستغيثة من شدة الزحام على ذلك الوجه الشاب ,تلطفه تلك الغرة المخططة المسدلة
عليه ,وتلك الابتسامة الواثقة التي ترصد نظرات المعجبين في ذلك القسم من الشركة ,إلى ذلك الخصر الفرنسي كما يسمونه (الشيطاني) الذي يتمايل يمنة ويسره ..وقد احكم عليه رباط لبنطال ضيق يكاد يتمزق ضيقا.. أما تلك (الشيلة) الرقيقة الشفافة التي تشكو من برد الشتاء فقد توارت على الأكتاف حياء من الجميع … لتظهر القصة المميزة لذلك الشعر الملون ,إنها الموضة كما يسمونها….
الضحكات الرنانة الساحرة في كل أقسام من المكتب لا تغيب عنه..عفوا إنها الآنسة(سارة) الواسطة رقم (1) كما ينادونها دائما … ذات الحسب و النسب صاحبة الجمال الباهر والماركات وآخر الصفعات … عفوا أقصد الصرعات العالمية ,إنها الفتاة المدللة التي تهفو إليها قلوب كثير من الشباب وتلاحقها نظراتهم .. ذات العدسات الملونة … هاهي تبدأ يومها بضحكاتها الساخرة المستحقرة لحذاء فلان وثياب علان …مع رفاق العمر كما تسميهم ..أقصد (الحشرات الطائرة والزاحفة … كما أسميهم أنا )
خرست الضحكات من حولها وبقيت ضحكاتها هي فقط في المكان ..ماذا حدث؟؟ّ!!
آه ..السيد (خليفة المنصور) يلوح من بعيد … إنه أبو عبد الرحمن ,رئيس القسم ,يبلغ من العمر خمسة وأربعين عاما. وله ستة أطفال يعولهم مع والدتهم وجدتهم , بمرتب لا يتجاوز ستة آلاف درهم , رجل أخذ من الحياة الوقار والاحترام و الأدب ,ورضي بما قسم الله له , فظهرت على وجهه سمات الصالحين الأخيار..
ـ لو سمحتِ يا آنسة سارة هذا وقت عمل .. لا هزل … وهؤلاء رجال فكيف تبادلينهم الضحكات والهمسات التي لا يرضاها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم..
ـ عفوا…لا تغلط عليهم هؤلاء زملائي ورفقاء عمري ..أعتقد أنه ليس لك الحق في الكلام عنهم ..
ـ يوم القيامة سوف تسألين عن زملاء العمل هؤلاء..
ـ فكْنا الله يخليك من محاضراتك التي تعور الرأس ..
ويدير ظهره لها وهي تتجلجل في صيحاتها المستهزئة به …وتشمر عن ساعديها العاريين من الحياء وتدخل عليه المكتب لتنتقم لكرامتها الحكومية..وتصرخ قائلة:
ـ أسمع يا أخ أنته ما بتم في هالمكان وايد ..مصيرك تطردك الواسطة رقم (1) ..وتعقد حواجبها الهزيلة المتهالكة تنتظر الرد … ويرد عليها بكلمة واحدة فقط:
ـ (لي رب اسمه الرحيم ).
السيد خليفة تعرض للكثير من الضغوط لقبول الآنسة سارة في قسمه ,فهي تملك ما يسمونة اليوم بفيتامين (و)..ورغم هذا كله كان يعاملها كأنها أخته الصغيرة, رغم قلة احترامها له ..هاهي الآنسة سارة (واسطة الحكومة) ذات الطبع المزاجي الساخر ,التي لا تعرف سوى كلمه واحدة (أنتم تحت المستوى)..
هاهي تنزل من سيارتها الفاخرة وتراقص مفاتيحها بين يديها لتضبط نظارتها الشمسية السوداء ,ثم ترمي بنظراتها الساخرة للبواب (الحاج سالم) الذي يبلغ من العمر الخمسين عاما , تجبره فيها على القيام لها لطلب المصعد..وما أن فتح المصعد حتى رأت أمامها السيد خليفة المنصور ..
ـ أووه شو ها الحظ النحس اليوم ..ما تصبحت اليوم إلا على وجهك ..
وهاهو يدير لها ظهره مرة أخرى وينصرف ..
خرجت من المصعد وهي تتأفف وتنفخ وتنتفخ ..
ـوالله حالة ها الدوام ..كثرت المطاوعة ها الأيام..
وما أن تدخل مكتبها حتى ترفع صوتها معلنة قدوم الحكومة (اسماعيلوه هات القهوة) وتلقي بحقبتها الفاخرة على الطاولة لينسل منها الهاتف وتبدأ الضحكات والمسخرة مع الصديقات على اسماعيل الفراش.
ـ (والله لو أتشوفينه بتعافين حياتج … أظني ثيابه عليه من سنه )
إسماعيل يعرف بعد هذه واسطة (مشكلة), وما أن تنتهي من المكالمات حتى تبدأ بإعلان الاحتجاج على الأوراق القليلة على طاولتها ..(أعوذ بالله هذا الريال مايرحم..وينه هو ..وينه)
مريم وهي تنظر إليها باستغراب (أبو عبد الرحمن أستأذن اليوم .. عنده ظروف )… وهذا عمل ساعة ب…..
تقاطعها بصرخة واحدة (الله لايرده)…أشوف كلامي ما عجبك …أصلا انتوا كلكم تحت المستوى …مو مهم …
وترجع مريم نظرتها أمامها لتكمل عملها فمن أضعف الإيمان أن تنكر المنكر ولو بالقلب ..
وتقضي سارة عملها بين التأفف ورنين الهاتف و الكلمات الساخرة ..
أوف ما أكثر الشغل … رباعتي أرحم من هذه اليلسة..
وتجتمع مع الشلة في كافتريا الشركة … وهم يلهثون حولها …
انته محمود عفوا الصراحه انته مكفوت أصلا ..وتتعالى الضحكات من حولها لتشاركهم ضحكتها المميزة..مكفوت..مكفوت..ها ت الغداء بسرعة..
الغداء الذي تحليه لحوم الموظفين وخاصة السيد خليفة انتهى الدوام وبدأ الجميع بالانصراف إلا الواسطة رقم (1) تأخرت في مكتبها عجيبة هذه المرة كانت أول الخارجين من الدوام ..
خلت الأقسام من الموظفين و كذلك اسماعيل والعمال ..وبقيت سارة بنت الموضة…فترة قليلة خطوات تقترب من المصعد… إنها الآنسة سارة وحدها .. دخلت المصعد وضغطت زر الهبوط.. وبدأ المصعد بالهبوط ..وتوقف المصعد ولم يفتح الباب ظلت تضغط على الأزرار وتحاول فتح المصعد … وتسب المصعد وتلعنه … ولكن لا فائدة بقيت ساعة على هذا الحال… انطفأت الأنوار … وبدأ الظلام يلف الواسطة الحكومية…وكأن المصعد أصبح تمثالا من الحجارة التي لا تحس بمشاعر الحكومة .. وأصبح المكان يردد كلامها وكأنه يستهزئ بها… الواسطة رقم (1)…..الواسطة رقم (1)…
وبدأت تستنجد باسماعيل …والحاج سالم ..ومريم ..ومحمود حتى السيد خليفة التي تتمنى موته استنجدت به …وبدأت الساعات تمر بطيئة …وهاتفها قد نفذ شحنه .. وأصدقاؤها قد غادروا المكان.. ولابد أن الحاج سالم قد غادر هو أيضا ..ياللمصيبة الليل يقترب وكأنه سكن في هذا المصعد الذي تحول إلى قبر مظلم….
لا….لا…قبر..أموت هنا .أنا بنت الموضة والتسريحات الغريبة وبنت الواسطة والحكومة ..أموت في المصعد .لا…لا..وبدأ المكياج الغربي يسيح على وجهها مع تلك الدموع المتساقطة ..كانت تدفع لهذه الدموع ما تشتهيه الأنفس شرط أن لا تتساقط .. واليوم لا ثمن لها ..وبدأ المصعد يسخن وكأنها النار…نعم نار جهنم تقترب ..تحتضن جسدها الشبه عارٍ وحقيبتها التي (ترطن انجليزي) ماركة انجليزية..
وهي تقول لا أريد أن أموت.. لم أتمتع بشبابي بعد .. حرام ..حرام..
و ازدادت حرارة المصعد , وبدأ الظلام يطبق من كل ناحية على ذلك الجسد المرتعش من البرد والخوف , وبدأت قدماها لا تستطيعان حملها .. أنها تركع على تلك السجادة التي تفوح منها رائحة العفن …والتي قد تلطخت بغبار أحذية الموظفين ..مسكينة الواسطة رقم واحد ..أخيرا ركعت على تلك السجادة التي كانت كثيرا ما تنتقدها لرائحتها الهندية المعفنة….أخيرا ركعت الواسطة رقم(1) وبدأت تحس بأنها تريد أن تبكي عدد دموع المحرومين في العالم …سبحان الله تحس بالمحرومين …عجيب…
والدموع تحكي لها قصصا وها هو المكان يضيق شيئا فشيئا لينتشر الظلام المخيف… الظلام الذي لا تعرفه في حياتها إلا تحت لحافها الناعم ..وكأن المصعد قد تحول إلى قبر معلق بين السماء والأرض ..ولسعات البرد بدأت تتسلل إلى جسدها الذي لوثته المعاصي ونظرات الذئاب البشرية,وكأن عباءة من السواد بدأت تغطي جسدها المكشوف …
نادت بصوت حزين أصدقاءها وملايينها و حياتها المترفة وماركاتها العالمية والمعجبين …ولكن لا أحد يسمعها …لا شئ غير الموت…
أين ضحكاتها الساخرة ؟؟؟!!
أين المكياج والموضة ؟؟؟!!
أين الأغاني والمغنين؟؟؟!!
أين الأفلام والمعجبين؟؟؟!!
أين الواسطة رقم (1)؟؟؟!!
واحسرتاه…كانت السعادة مزيفة …ياليت تلك اللحظات ترجع للوراء … وحيدة في هذا المكان المخيف …. المعاصي بدأت تحاصرها من كل صوب وحدب وكأنها تخنقها لتنتقم منها ….كأن الشيطان بدأ يسخر منها …وهي التي لم تعصيه طرفة عين … والدموع الحكومية بدأت تسيل سيولا على الخدود الوردية , والبرد القارص لا ترده تلك الثياب المستوردة …والظلام الدامس بدأ يصدر حكمه بالإعدام …أنفاسها المتلاحقة بدأت تضعف …دموع محمود واسماعيل ….ونظرة مريم ..آهات الحاج سالم …وضحكات الشلة …ورنين الموبايل ….ورائحة الأفلام الخليعة ..و الأغاني الماجنة …وزئير المرسيدس…وقرع المفاتيح …وصرخات الموضة …بدؤوا وكأنهم يهيلون عليها التراب في تلك المقبرة المعلقة ..الموت لا محالة في ذلك ولكن هناك كلمة واحدة سمعت بقلبها الراحل رنينها (لي رب اسمه الرحيم)إنها كلمة السيد خليفة المنصور …المطوع …أتذكرينه..
الرحيم …الرحيم ..وانطلقت من قلبها كلمة يا رب لتشق عنان السماء في لحظة هي التي قد تكون اللحظة الأخيرة قبل الموت …
يا رب …ظلمت نفسي …عصيتك …حرمت نفسي من الجنة ..اتبعت الشيطان …
يا رب …إني من الظالمين …يا رب أنا اليوم لا أستحق رحمتك ….
يا رب أنا العبدة الحقيرة التي قامت الليل لتعصيك …وأين الليل الآن؟؟؟!
ونامت النهار حتى لا تسمع نداءك ….فأين النهار الآن؟!
يا رب …ماذا يفعل بي حسبي ونسبي ….أم تنفعني اليوم ماركاتي …وملاييني؟!!!!!
يا رب أنا أضعف الخلق الآن أهونهم عليك ..إن كانت هذه نهايتي فقد خسرت الدنيا والآخرة ..وإن كان هذا ابتلاء من عندك فلا أقول إلا كما قال عبدك يونس: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين )…
يا رب …روح ضعيفة وحيدة ذليلة تناديك… في ظلمات لا تدري أيكتب لها الحياة أم الموت (إني تبت الآن)..(إني تبت الآن)…
يا رب رحمتك أوسع لي…..
وظلت قابعة بذلك القبر الذي قد لا يصوره أحد أن يكون قبرا…وهي الوحيدة متجردة من الدنيا على أشواك المعاصي في الطريق إلى الله ….
فأين الواسطة رقم (1)عند الله (لا أنساب بينهم )وفجأة يهتز باب المصعد هزت مرعبة وكأنه زلزال ..فتح المصعد عند جسد عاد من الموت … وقلب عاد إلى الله ..سبحانك إني كنت من الظالمين…
وظلت هذه الكلمات تدور على لسانها وتذوب في قلبها ..وعادت إلى منزلها جثة قد بعثت من المقابر …سعادة أن تنجو من النار …
وتبعث من جديد إلى الحياة …سعادة أعظم أن تعود إلى الله بعد غياب طويل …
تغيبت الآنسة سارة عن العمل قرابة عشرة أيام …ولم يسأل عنها أحد سوى السيد خليفة المنصور …وفي اليوم الحادي عشر…يرفع السيد خليفة رأسه ليقول نعم لامرأة لا يرى منها شيئا تقف أمام مكتبه تحمل ظرف في يدها … يظهر على لباسها علامات الوقار والاحترام و الإلتزام
…تدفع إليه بورقه وتنصرف ….
ورقه كتب بها …….
يا شيخ كلمة منك أنجت إنسانة من النار…
(لي رب اسمه الرحيم)…
فعليك بهذا الدرب ولا يضرك من خذلك …وجزاك الله خيرا
أختك الواسطة رقم(0)

الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.