بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. أما بعد:
فإن الله أنزل كتابه ليتدبره عباده .. وكفى به علواً في شأنه .. وعظمةً في منزلته: أنه كلام الله .. أنزله على خير رسله .. مع أعظم ملائكته .. بأفضل لغة وأتمها .. فاجتمعت فيه أطراف العلو وجوانبه .. اختص الله به الأمة المحمدية .. ونسخ به جميع الكتب السماوية .. وأعجز به الأمة البشرية .. أخذ بمجامع القلوب .. وخلب الألباب .. ووقف له الأدباء إجلالاً .. وأسلموا له قيادهم إذعاناً .. فلم يعلموا له مثلاً .. ولم يروا له شبيهاً ..
وقد وقف بي المسير يوماً عند مسجد ما .. وكان هذا من حسن حظي .. وعظيم منة ربي .. فإذا إمام المسجد ذو قلب حاضر .. وقراءة خاشعة .. وترتيل مؤثر .. فقرأ سورة {الشرح} .. فانشرح لها خاطري .. وانفتح لها قلبي .. فوقعت منه موقعاً كبيراً .. وكأنها أول مرة تطرق مسامعي .. {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} ..
فرجعت إلى منزلي .. فحاولت أن أقف معها بعض الوقفات .. ففتشت فيما بين يدي من كتب وأوراق .. وقيدت بعض ما عثرت عليه .. وحاولت أن أبثه بين الأحبة .. لعله يكون من صالح عملي .. فينفعني يوم لقاء ربي .. فما تقرؤه أيها المحب إنما هو جمع وترتيب .. لا اختراع وفتق ذهن .. بل ليس لي منها إلا المطالعة والتقييد .. والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ..
// [ *^*^* ]//
= بين يدي السورة:هذه السورة أنزلها الله على رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم حينما كان في بلد البعثة والنبوة .. تلك البلدة التي أحبها وأحبته .. التي نشأ فيها وترعرع .. إنها [مكة] .. حيث أنزل الله هذه السورة على نبيه يذكره فيها بعدد من المنن والخصائص التي اختصه بها .. وأنعم بها عليه دون غيره .. حاضاً له بذلك على الشكر والحمد .. ومصبراً على ما يلاقيه من أذى الكفار .. ومسلياً له بالبشرى العظيمة الواردة في ثنايا السورة ..
وفيها روح مناجاة الحبيب .. وفيها استحضار مظاهر العناية .. واستعراض مواقع الرعاية .. وفيها البشرى باليسر والفرج .. وفيها التوجيه إلى سر اليسر وحبل الاتصال الوثيق ..
وآيات السورة تشعر بأن هناك ضائقة كانت في روح الرسول صلى الله عليه وسلم لأمر من أمور هذه الدعوة التي كلفها .. ومن العقبات الوعرة في طريقها .. ومن الكيد والمكر المضروب حولها .. وتوحي بأن صدره صلى الله عليه وسلم كان مثقلاً بهموم هذه الدعوة الثقيلة .. وأنه كان يحس العبء فادحاً على كاهله .. وأنه كان في حاجة إلى عون وزاد ورصيد .. ثم كانت هذه المناجاة الحلوة .. وهذا الحديث الودود!
= اتتح الله هذه المنن بقوله: {ألم نشرح لك صدرك} افتتح الآيات بالاستفهام التقريري .. لتقريره صلى الله عليه وسلم بنعم ربه عليه .. وهذا التقرير مقصود به التذكير ؛ لأجل أن يراعي هذه المنة عندما يخالجه ضيق صدر مما يلقاه من أذى قومه .. ليدوم على دعوته العظيمة نَشيطاً غير ذي أسف ولا كَمَدٍ ..
ومعناه: ألم نبسط صدرك .. ونفسح قلبك.. ونجعله رحباً متسعاً لنور النبوة .. وصفاء الفطرة والديانة .. ويكون حاوياً لشرائع العبادة .. وتوسيعه للمعرفة والإيمان .. ومعرفة الحق وقبوله .. وجعله وعاء للحكمة .. ونتيجة ذلك: سعادة المرء في دنياه وأخراه .. فهي أقوى عدة .. وأعظم منة ونعمة .. ولذلك دعا بها موسى الكليمُ ربَّه في مسيره إلى فرعون بقوله: {رب اشرح لي صدري} .. فأجاب الله دعاءه .. وذلك أن انشراح الصدر وانبساطه عامل مهم في حياة الأنبياء والدعاة .. إذ به يستطيع أخذ الكتاب بقوة .. والقيام بتكاليف الدعوة والدين .. وتحمل أعباء ذلك .. فيتسع لمحبيه وموافقيه .. ويصبر على أعداءه وما يلاقيه.. ولا شك أنه طريق محفوف بالمخاطر .. مملوء بالمصاعب..
ففي هذا: توجيه لكل داعية إلى الله؛ أن يكون رحب الصدر .. هادئ النفس .. متجملاً بالصبر .. كما هي جادة أنبياء الله ورسله..
وفيه: أن من أعظم المنن: راحة القلب .. وصفاء النفس .. وانشراح البال والخاطر .. وقد توعد الله من أعرض عن ذكره: بالمعيشة الضنكة .. والحال البئيسة .. وضيق الصدر وحرجه ..
وانظر كيف أسند فعل الشرح (نشرح) إلى ضمير العظمة ولم يقل: (أشرح) لتعظم المنة .. وتزداد النعمة ..
ثم أردف ذلك بإدخال الجار والمجرور (لك) ليفيد انتفاعه بهذه النعمة .. وأن حصولها من أكبر مصالحه ومنافعه .. وفيه تعجيل للمسرة .. وتشويق لذكر النعمة وما يعقبها .. لأن (اللام) هنا للتعليل .. أي فعلنا هذا لأجلك.. وفي ذكر الجار والمجرور قبل ذكر المشروح سلوك طريقةِ الإِبهام للتشويق .. فإنه لما ذُكر فعل {نشرح} عَلم السامع أن ثَمَّ مشروحاً .. فلما وقع قوله: {لك} قوي الإِبهام فازداد التشويق .. لأن {لك} يفيد معنى شيئاً لأجلك .. فلما وقع بعده قوله: {صدرك} تعين المشروح المترقَّب .. فتمكن في الذهن كمال تمكن ..
= ثم ثنى الله مننه على نبيه بقوله سبحانه: {ووضعنا عنك وزرك}: أي ألقينا عنك ذنبك .. والوِزْرُ: هو ناحية من الجبل يستند إليها ويلتجأ بها .. وسمي الإثم بها في القرآن: تشبيهاً بثقل الذنب على المرء حين حسابه وسؤاله عنه ..
وهذه من المنائح الربانية العظيمة: أن يمنح الله نبيه غفران جميع ذنبه .. وإقالته من جميع إثمه .. كما قال الله تعالى:
{ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} ..
وهذه خصيصة عظيمة له صلوات ربي وسلامه عليه..
ولما لم يحدد متعلق الوزر .. وما هو الوزر الموضوع عنه ؟ ..
اختلف المفسرون فيه اختلافاً كثيراً .. أصفح عنه قصداً ..
= ثم وصف الله ذنب هذا النبي العظيم بقوله: {الذي أنقض ظهرك}، أي أتعبه وأثقله .. حتى سمع صوت نقيضه .. واختار جارحة (الظهر) من باب الاستعارة للتشبيه، تشبيهاً للذنوب بالحمل الذي ينوء بحامله .. فكأن الإنسان يحمل ذنوبه على ظهره وينوء بحملها.. وهذا من بديع التشبيه ..
فما هو الإثم الذي باء به النبي صلى الله عليه وسلم وواقعه؟
ووصفه ربه بأنه أثقل كاهله .. وآلم ظهره .. وأتعبه بحمله؟
– وفيه إشارة للعبد المذنب الضعيف إلى خوفه من ذنوبه .. وخشيته منها .. فإذا كان هذا وصف الله لذنب نبيه .. وخيرته من خلقه .. فما هو حال ذنوبك؟ واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب ..
= ثم يثلث الله بخاصية عظيمة .. ومنة جليلة .. حيث يقول: {ورفعنا لك ذكرك}: فاستعار (الرفع) لحسن الذكر .. لأن الرفع جعلُ الشيء عالياً لا تناله جميع الأيدي .. ولا تدوسه الأرجل .. فقد فطر الله رسوله ? على مكارم يعزّ وجود نوعها .. ولم يبلغ أحد شأوَ ما بلغه منها .. فامتن الله عليه بهذه المنة.. التي منها: أن جعل له لسان صدق في العالمين .. ورفع مقامه .. وأعلى شأنه .. ونشر له الذكر الحسن بين الناس أجمعين .. من الأولين والآخرين .. وألقى له المحبة والإجلال في قلوب الخلق .. والمهابة والتعظيم في نفوس الناس .. وجعل طاعته طاعةً له .. صلى الله عليه في ملائكته .. وأمرهم والمؤمنين بالصلاة عليه .. وخاطبه وناداه بالألقاب والأوصاف .. وخاطب غيره من الأنبياء بالأسماء .. وذكره سبحانه ووصفه وأثنى عليه في كتب المتقدمين الأولين ..
وقرن الله ذكره بذكره .. فلا يصح إسلام عبد إلا بذكرهما .. ويرفع التكبير لله مقروناً بذكر رسول الله على رؤوس المآذن في أنحاء المعمورة كل يوم خمس مراتٍ .. فما أعظمه من ذكر .. وما أجله من نداء ..
حتى قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
وَضمَّ الإلهُ اسم النبي إلى اسمه * إذا قَالَ في الخَمْس المؤذنُ: أشهدُ
وَشَقَّ لَهُ مِن اسمه ليُجِلَّه * فَذُو العَرشِ محمودٌ وهَذا مُحَمَّدُ
وهكذا يكون انتشار الذكر .. وترك الأثر .. وهذا هو الثناء الذي يفرح به .. ويسعى لأجله .. ليس ثناء أهل الدنيا ولا ذكرهم .. بل لا يفرح بمدحهم ولا يحزن لذمهم عاقل .. ولا أحد يزين مدحه ويشين ذمه إلا الله .. فاسعَ لتحصيل الثناء من ربك بتتبع طاعته ومراضيه .. والحذر من معصيته ومساخطه ..
= ثم يردف الله هذه المدائح الإلهية .. والمنن الربانية .. ببشارة عظيمة .. ومؤانسة لطيفة .. حيث يقول الله جل الله: {فإن مع العسر يسراً * إن مع العسر يسراً}: يؤنس الله عبده .. ويبشر رسوله .. ويتلطف مع حبيبه المختار .. ويسري عنه .. ويؤنسه .. ويطمئنه .. ويطلعه على اليسر الذي لا يفارقه .. ويصبر الله خليله: على ما يلاقيه من أذى هؤلاء الكفرة الفجرة .. وما يلاقيه من عنتهم وكفرهم .. فيأتيه المدد المعنوي من السماء مصبراً مذكراً .. وهذا وعد من الله لنبيه .. ولعباده المؤمنين معه .. ولأتباعه من بعده ..
ثم تأمل أيها الموفق! هذا السياق القرآني البديع .. في إثبات هذه البشرى وتوطيدها .. افتتحت البشارة بالتوكيد بـ(إن) .. ثم أثبتت المعية بين العسر واليسر بـ(مع) من باب الاستعارة .. لأن العسر واليسر نقيضان لا يجتمعان .. ومقارنتهما مستحيلة .. فتعين أن المعيّة مستعارة لقرب حصول اليسر عقب حلول العسر أو ظهور بوادره .. بقرينة استحالة المعنى الحقيقي للمعية .. فاستعار معنى (بعد) للفظة (مع) للمبالغة في معاقبة اليسر العسر واتصاله به .. فشبه التقارب بالتقارن .. فلم يقل: (بعد العسر يسرى) ..
ثم أكدت الجملة تأكيداً لفظياً بإعادتها تامة .. وفائدة هذا التأكيد: تحقيق اطراد هذا الوعد وتعميمه لأنه خبر عجيب .. وأدخلت (أل) على العسر في الآيتين .. وجردت اليسر منها .. مما يدل على أن العسر واحد لا يتكرر .. وأن اليسر متكرر متعدد .. فالعسر الأول عين الثاني واليسر تعدد ..
و(أل) قيل فيها معنيان: إن كانت للعهد فيراد بها: العسر المعهود من مضايقة المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم .. وإن كانت تفيد الاستغراق فهذا فيه دلالة على أن كل عسر -وإن بلغ من الصعوبة ما بلغ- فإنه في آخره التيسير ملازم له..
وقد نسب إلى الإمام الشافعي –رحمه الله- أنه قال:
سيفتح بابٌ إذا سدّ باب * نعم وتهون الأمور الصِّعاب
ويتَّسع الحال من بعد ما * تضيق المذاهب فيها الرِّحاب
مع الهمّ يسران هوّن عليك * فلا الهمّ يجدي ولا الاكتئاب
فكلما أتتك المصيبة .. فانظر خلالها تجد فرجاً.. وكلما واجهت عسراً.. فانتظر معه يسراً .. ولذلك بشَّر النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس رضي الله عنهما بعين هذه البشرى ولفظها في وصيته الشهيرة له فقال: ((واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً)) .. ولهذا جاء في بعض الأحاديث المرفوعة: ((لن يغلب عسر يسرين)) [جود إسناده ابن حجر].. والله جل وعلا يقول: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} .. وجاء في الحكمة: ((حتى لو دخل العسر جحر ضب لدخل عليه اليسر، فأخرجه)) [تروى حديثاً ولا تصح] .. فلا تجزع إذا واجهت عسراً .. أو أصابتك مصيبة … أو نزلت بك جائحة .. أو أهمتك بلية .. فإن اليسر يغلب ذلك كله .. كما قال القائل:
عسى فرجٌ يأتي به الله إنَّه * له كلَّ يومٍ في خليقته أمر
عسى ما ترى ألاَّ يدوم وأن ترى * له فرجاً ممَّا ألحّ به الدَّهر
إذا اشتدَّ عسرٌ فارج يسراً فإنَّه * قضى الله أنَّ العسر يتبعه اليسر
وقال آخر:
وكلُّ الحادثات إذا تناهت * فموصولٌ بها الفرج القريب
ومولانا الإله فخير مولى * له إحسانه ولنا الذُّنوب
ونسب إلى منصور الفقيه:
إذا الحادثات بلغن المدى * وكادت لهنَّ تذوب المهج
وحلّ البلاء وقلّ الوفا * فعند التَّناهي يكون الفرج
= وبعدما ذكر الله لنبيه ما اختصه به دون سائر البشر .. أمره –وأمته لاشك أنها تبع له في ذلك-بأن يقوم على شكر هذه النعمة .. وفي هذا توجيه كريم لمواقع التيسير .. وأسباب الانشراح .. ومستودع الري والزاد في الطريق الشاق الطويل .. فقال سبحانه: {فإذا فرغت فانصب * وإلى ربك فارغب}.. أي: إذا فرغت قلبك من همه .. وبدنك من شغله: فقم إلى عبادته -دون سواه- فارغ البال .. قوي الحال .. فأتعب نفسك في ذكره .. واجتهد قدر طاقتك لعبادته .. واجتهد في الرغبة إلى ربك وحده لا شريك له .. وأعظم الرغبة في ربك بأن يقبل دعوتك .. وأن يشكر عبادتك .. وأن يقيل عثرتك .. ويغفر زلتك ..
وحُذف مفعول: {ارغب} ليعم كل ما يرغبه النبي صلى الله عليه وسلم .. وهل يرغب النبي إلا في الكمال النفساني وانتشار الدين ونصر المسلمين؟
وأشعرت الآية: بأن اللائق بحال العبد أن يستغرق أوقاته بالعبادة ..
وانظر كيف أشعر بالتقديم التخصيص .. حيث قال: ((ربك فارغب)) .. ولم يقل: ((ارغب إلى ربك)) .. ليفيد الاختصاص .. فلا يعبد غير الله .. ولا يرغب إلا إليه .. ولا يلجأ إلا إليه ..
أو: كلما فرغت من طاعة .. فاستأنف بعدها أخرى .. تكن بذلك من الشاكرين .. [وفي الآية أقاويل أُخر [1]
مع أن كل جهد وعبادة تقدمها .. هي قليلة في حق شكره على نعمائه ..
وكما أنشد محمود الوراق:
إذا كانَ شكري نعمةَ اللهِ نعمةً * عليَّ لهُ في مثلها يجب الشكرُ
فكيفَ بلوغُ الشُّكرِ إِلاَّ بفضلهِ * وإن طالت الأيام واتّصل العمرُ
إذا سرَّ بالسَّراء عمَّ سرورها * وإن مسَّ بالضَّراء أعقبها الأجرُ
واحذر كل الحذر أن تكون ممن يستهويه الشيطان حال تفرغه .. فيقضيه فيما لا ينفعه في دينه ودنياه .. فالعقلاء متفقون على ذم هذا النوع من الناس .. وذكروا أن قعود الرجل فارغاً من غير شغل ؛ أو اشتغاله بما لا يعنيه في دينه أو دنياه: هو من سفه الرأي .. وسخافة العقل .. واستيلاء الغفلة .. روي عن عمر رضي الله تعالى عنه قوله: ((إني لأكره أن أرى أحدكم فارغاً سبهللاً .. لا في عمل دنياه ولا في عمل آخرته)) ..
واحذر أن تكون الأبعد بأن تستعمل فراغ وقتك في مساخط ربك .. وأن تصرف جهدك ووقتك في ما لا يرضيه .. كيف يكون هذا: وقد أسبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنة؟ وسخر لك ما في السماوات والأرض جميعاً؟ وجعل لك الأرض ذلولاً؟ وفوق ذلك: جعلك من عباده .. واختصك من بينهم .. فهداك إلى الدين القويم .. والصراط المستقيم .. أفيسوغ بعد ذلك أن تعصيه؟
ففي الآية علاج ناجع .. وترياق مجرب .. لمشكلة الفراغ التي يعاني منها العالم أجمع .. فلو أن المرء إذا فرغ من أشغاله وهمومه .. اجتهد في عبادة ربه .. لصفت نفسه .. واستنار فؤاده .. فلم يعرف الشيطان إليه طريقاً ..
كما أن في الآية تنبيهاً مهماً جداً .. يلفت أنظار الدعاة .. ويثير انتباههم: إلى الزاد! إنه لابد من الزاد للطريق .. وهنا الزاد .. ولا بد من العدة للجهاد .. وهنا العدة .. وهنا ستجد يسراً مع كل عسر .. وفرجاً مع كل ضيق .. هذا هو الطريق!
= وتنتهي هذه السورة وقد تركت في النفس شعورين ممتزجين:
– أولهما: الشعور بعظمة المنزلة التي كانت لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم عند ربه جل وعلا .. وهذا واضح جلي بين ثنايا السورة ..
– وثانيهما: الشعور بالعطف على شخصه صلى الله عليه وسلم .. لا سيما ونحن نكاد نلمس ما كان يساور قلبه الكريم في هذه الآونة التي اقتضت ذلك الود الجميل .. إنها الدعوة يا دعاة .. هذه الأمانة الثقيلة وهذا العبء الذي ينقض الظهر .. فاستعينوا بربكم واصبروا .. وتأملوا سيرة نبيكم واقتدوا ..
= ومن جميل ما أختم به هذه الوقفات: ما ذكره ابن عبدالبر في كتابه النافع الماتع الموسوم بـ(بهجة المجالس) .. أن رجلاً خرج حاجاً فضاق صدره، وتأوه قائلاً:
أرى الموت لمن أمسى * على الذُّلِّ له أصلح
قال: ((فإذا هاتف من ورائي يقول:
يا أيُّها المرء الَّذي * يرى الهمّ به برَّح
إذا ضاق بك الصَّدر * ففكِّر في {ألم نشرح} )).
يا رب صلِّ على الحبيب وآله .. وصحبه وأتباعه .. واسألك اللهم أن تشرح صدورنا .. وأن تغفر خطايانا .. وأن تجعل لنا لسان صدق في الآخرين .. وأن ترينا اليسر في الدنيا والآخرة .. وأن تعيننا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك .. وسبحانك اللهم وبحمدك .. أشهد ألا إله إلا أنت .. أستغفرك وأتوب إليك ..
وكتبه: أَبُو عُمَرَ السُّحَيْمُ