د. بدر عبد الحميد هميسه
المؤمن مقبل على ربه دائماً يربط مشيئة بمشيئة ربه عز وجل ويعلم علم اليقين أن ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن فهو مسلم لقضاء ربه تعالى ، ويوقن أن الخير كله فيه .
وذلك مصدقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم " عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير ، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، و إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له " . رواه مسلم : (2999 ) .
فأساس كل خير في حياته أن يعلم أن ما شاء الله كان و ما لم يشأ لم يكن " فيتيقن حينئذ أن الحسنات من نعمه فيشكره عليها ، ويضرع إليه أن لا يقطعها عنه ، وأن السيئات من خذلانه وعقوبته فيبتهل إليه أن يحول بينه وبينها ". ابن القيم : الفوائد ص 79 .
يروى ابن القيم عن الشيخ عبد القادر الجيلانى وصيته لولده التي قال فيها : " يا بنى إن المصيبة ما جاءت لتهلكك وإنما جاءت لتمحصك ، يا بنى القدر سُبع والسُبع لا يأكل الميتة والمقصود أن المصيبة كير العبد الذي يُسبك به حاصله فإما أن يخرج ذهباً أحمر وإما أن يخرج خبثاً كله " ابن القيم :الطب النبوي ص 156 .
يقو أبو القاسم الشابى :
خذ الحياة كما جاءتك مبتسماً * * في كفها النار أو في كفها العدم
فمن تألم لم ترحم مضاضته * *ومن تجلد لم تهزأ به القمم
هذى سعادة دنيانا فكن رجلاً * * إن شئتها – أبد الآباد يبتسم
وتفويض العبد لربه " يهب صاحب السكينة الداخلية وهدوء النفس إنما يمنح لصاحبه – أيضاً صورة ظاهرية منها هيبة ، فتكون له مكانه محترمة بين الناس ، ويأخذوا بمعاملته على أنه مثال المروءة حتى ليظن ذكره الحسن بعد مماته زينة لأحفاده ". محمد أحمد الراشد : نحو المعالي ص 65 .
والتفويض يكسب الإنسان صلابة نفسية تميزه عن غيره " وتشير الصلابة النفسية إلى الفرد الذي يمتلك مجموعة من السمات تساعده على مواجهة مصادر الضغوط فالفرد الذي يتميز بالصلابة النفسية لديه القدرة عل توقع الأزمات والقلب يمليها في النهاية .
وهناك ثلاث سمات مميزة للذين يتصفون بالصلابة النفسية.
– درجة عالية من الالتزام (Commitment) اعتقاد قوى بما يقومون به وغياب شعور الاغتراب أثناء تأدية المهام منهم .
– درجة عالية من التحدي ( Challenge) للقيام بمهامهم من منطلق الاعتقاد بأن التغيير حقيقة ينعم بالتعامل معه واستثماره للنمو الشخصي .
– درجة عالية من التحكم ( Control ) في أمورهم الوظيفية والحياتية مع إدراك شخص في قدرتهم على التحكم في مسرات ومضرات الحياة ، أو الثواب والعقاب في الحياة .
فالإيمان بمشيئة الله – تعالى – لا يعنى الاستسلام للظرف والأقوال وعدم الصلابة في مواجهة الصعاب والأزمات ، لأن ذلك يعنى التواكل والخنوع الذي نهى عنه الإسلام ، وهو يدمر الفرد ويمحو شخصيته .
روى أن دجاجة وجدت نسراً مولوداً لتوه وقد تركته أمه فعطفت عليه وأخذت تربيه مع أفراخها ، وكبر النسر وصار يتصرف كما يتصرف الدجاج ، وكأنه دجاجه حقيقية . وفى يوم من الأيام رأى النسر نسراً كبيراً يحلق في أفق السماء ، فسأل عن هذا الطائر العملاق فقالوا إنه يسمى نسراً وهو طائر مفترس عملاق فقال : إني أريد أن أكون مثله ، فقال له الدجاج لا يمكنك ذلك ، فأنت دجاجة والدجاجة لا تعرف التحليق ولا الافتراس ، وصدق المسكين أنه دجاجة فعاش دجاجة ومات دجاجة .
لا تسقني ماء الحياة بذلة * *بل فاسقني بالعز كاس الحنظلِ
ماء الحياة بذلة كجهنم * *وجهنم بالعـز أطيب منـزلِ
ولقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : للَّهُمَّ ! أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ ، وَأَنْتَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، مَا شَاءَ اللهُ كَانَ ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ، أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ، اللَّهُمَّ ! إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ دَابَّةٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ، إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.