ثقافة الاختراع والابتكار وآثارها الإيجابية
في البداية أُحب أن أُوضح أن ثقافة الاختراع والابتكار تشتمل على عددٍ من المفاهيم المُتقاربة في المعنى والدلالة ، ولاسيما عند المختصين في العملية التربوية ، ومن هذه المفاهيم ما يلي : ( الابتكار ، والاختراع ، والاكتشاف ، والإبداع ، والموهبة ، والعبقرية ، والنبوغ …إلخ ) .
وعلى الرغم من وجود بعض الفروق الدقيقة فيما بين هذه المفاهيم ؛ إلا أنها تدور في معناها الإجمالي حول بعض القدرات والعمليات الذهنية المختلفة التي تعمل في مجموعها على إيجاد كل جديدٍ ومُفيدٍ في أي مجالٍ من المجالات الحياتية .
وهنا تجدر الإشارة إلى أنه من الطبيعي أن تكون هذه القدرات عند بعض الأفراد دون غيرهم ؛ كما أنه من الطبيعي أن تكون هناك ثقافةٌ عامة لمجموع هذه المفاهيم المُتقاربة ؛ وهي ما يمكن أن نُسميه ثقافة الاختراع والابتكار التي تعني ثقافة التقدم التِقني ( التكنولوجي ) التي نعيشها في واقعنا المُعاصر ، والتي لا يُمكن أن تتحقق إلا بتوافر ظروفها ومقوماتها اللازمة ، ومنها :
التخطيط السليم ، والعمل الجاد ، والدراسة المتأنية ، والمتابعة المستمرة ، والإمكانات المتوافرة التي تعمل في مجموعها على تنمية القُدرات وصقل المواهب المختلفة عند الموهوبين من أبناء المجتمع .
ولأن ثقافة الاختراع والابتكار هي الدعامة الرئيسة للنهضة العلمية والتقدم الحضاري في مختلف المجالات والميادين الحياتية ؛ فإنها تُعد ميداناً للتنافس المستمر بين الدول والكتل المُتنازعة في واقعنا المُعاصر الذي يعتمد كثيراً على هذه الثقافة التي يمكن لمن يمتلك معطياتها أن يمتلك بكل ثقةٍ واقتدار الكثير من المعطيات الحضارية والقدرات الجبارة التي يأتي من أهمها الإبداع أو الابتكار ( Creative ) الذي لا غنى عنه لحياة الإنسان المعاصرة ، والذي لابُد منه عند التخطيط للحاضر والمُستقبل .
من هنا فإن هذه الثقافة تستلزم بالضرورة توافر مؤسساتٍ خاصةٍ بها سواءً في ما له علاقة بجانب البحث العلمي ، أو ما له علاقة بجانب الدراسات المنهجية ، أو ما له علاقة بالمجال الإعلامي والتوعوي ، ونحو ذلك من الجوانب الأُخرى ذات الأثر الفاعل في حياة الإنسان والمجتمع .
وهنا أُشير إلى أن ثقافة الاختراع والابتكار ولاسيما في مجتمعاتنا الإسلامية لا يمكن أن تنجح و تُقدم ما هو مرجو منها إلا إذا ضُبطت بالضوابط الشرعية المُستمدة من مصادر ديننا الإسلامي الحنيف وتربيته الإسلامية التي اهتمت بهذا الجانب اهتماماً كبيراً ، وعُنيت به عنايةً خاصةً سواءً على مستوى تربية الفرد أو تربية المجتمع ، وحددت له العديد من الضوابط التي تجعل منه مجالاً لخدمة الإنسانية وتقدمها وسبيلاً للحفاظ على كل مقومات السلام والازدهار . يُضاف إلى ذلك أن هذه الثقافة ترتبط ارتباطاً شديداً بالتفكير العلمي الذي حثت عليه تعاليم وتوجيهات ديننا الإسلامي الحنيف لكونه يُعد ضرورةً من ضرورات حياة الإنسان .
أما أبرز الآثار الإيجابية لهذه الثقافة فتتمثل في كثيرٍ من المعطيات الحضارية المتطورة التي ستُسهم بلا شك في إعداد جيلٍ جديدٍ على قدرٍ كبيرٍ من المعرفة والوعي الحضاري الذي يستطيع من خلاله تحقيق نهضة الأمة الحضارية في مختلف المجالات العلمية والعملية ، والثقافية والمعرفية ، والفردية والاجتماعية .
وحتى يمكن تحقيق هذه الثقافة فلا بد من إدراك أهميتها ، وبيان معالمها ، ووضوح منهجيتها ، وتعرف أهدافها ، وممارسة طرائقها ، وتنوع أساليبها ؛ وهو ما لا يُمكن أن يتحقق إلا من خلال تضمينها في مناهج التعليم لمختلف مراحل التعليم العام والجامعي ، والعمل على دعم حركة البحث العلمي وتشجيعه على الاهتمام بدراسة هذه الثقافة وسبر أغوارها ، والبحث الجاد في مختلف جوانبها وميادينها ، إضافةً إلى ضرورة تضمين البرامج الإعلامية في مختلف الوسائل والقنوات الإعلامية ما يكفل لأبناء المجتمع تنمية أهمية الوعي الاجتماعي بهذه الثقافة على مختلف المستويات .
والله الهادي إلى سواء السبيل .
بقلم/الدكتور صالح بن علي أبو عرَّاد
أستاذ التربية الإسلامية بكلية المعلمين في أبها
ومدير مركز البحوث التربوية بالكلية
نقلا عن صيد الفوائد